• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإعلام وثقافة اللاوعي

رزان السعافين

الإعلام وثقافة اللاوعي

في غضون الأعوام الأخيرة على أرض الوطن، تعرض الإعلام الفلسطيني لأزمات وتحديات كبيرة على كل من الصعيد المحلي وما يتبعه من انقسام حزبي وأيديولوجي، والصعيد الدولي وما يتبعه من مناصرين للقضية الفلسطينية أو متابعين لأحداثها تبعا لمدى لتأثر الإعلام العالمي وخاصة العربي والإسلامي للأحداث الفلسطينية بكافة مجرياتها على شتى الأصعدة والميادين.
من هذا المنطلق تتعدد الآراء وتتغاير وجهات النظر عن دور الإعلام في حياة الفرد لتتلاءم مع ذوقه وفكره وطريقة معيشته، وبالتالي تنطلق المؤسسات والأحزاب والمجموعات لتشكل فضائيات تبعا لأذواق متشابهة ومنسجمة مع فكر المؤيدين لها وبالتالي كان الاختلاف سنة التغيير في الحياة والإعلام لغة رسالته التي تعتبر الوسيلة الأولى لتحقيق غاياته.
إن من عوامل رقي و سمو الإعلام العربي عامة والإسلامي خاصة هو أن تحافظ كل وسيلة إعلامية وخاصة الفضائيات على توجهها وفكرها السياسي الذي لا يتعارض مع مبادئها التي تسعى لتحقيقها وإيصالها إلى شريحتها المعنية وجمهورها الخاص. هذا لتعدد التوجهات واختلاف الآراء وتغاير الأفكار. فمن المعلوم أن كل وسيلة إعلامية لها جمهورها الخاص في الجانب السياسي فقط. أما على الأصعدة الأخرى كالتربية والاجتماع والثقافة والاقتصاد وغيرها، فإن الحيادية واجبة ولا بد منها لتحقيق مفهوم مركزية الفكر العربي والإسلامي وتوحده حفاظا على المبادئ الشرقية المناهضة لأي جسم دخيل يلوث سطح فضاء كوكب الشرق. وبناء على ذلك، فإن مفهوم الإعلام الحزبي لمفهوم طالما أرّق معظم أبناء المجتمع العربي وخاصة الفلسطيني في إدراكه وطبيعته وانقسام آرائهم ما بين أمرين هما: إيجابية الإعلام الحزبي و ربطه بكافة مناحي الحياة بدءا بالحياة الدينية وتطرقا إلى النواحي الاجتماعية والتربوية مما يعود بالتحجر الفكري والمنطقي واعتماد الآراء كقوالب جاهزة في صناديق التفكير. والأمر الآخر المنادى به هو سلبية الإعلام الحزبي والذي ينادي به أصحاب "عدم الانتماء السياسي". وإن كان هناك انتماء في الخفاء؛ فإن ظاهرهم قتل كل قناة تابعة لحزب معين مدّعين أنها لا تلبي رغباتهم. لكن في واقع الحال هي مجرد بضع كلمات تتردد على الألسنة وتتناقل بين هذا و ذاك، و هؤلاء وغيرهم. وليست بوجهات نظر ثاقبة ناجمة عن رأي مستقل نافذ أو تحليل منطقي. بل هو أشبه ما يقوله الغرب عنا: "إنهم عرب.. هكذا يفكرون".
إن كلا الأمرين والتوجهين السابقين في واقع الأمر"لفي ضلال بائن" وفي تراجع فكري يعود للوراء آلاف السنين. وبالأحرى، كل من يفكر في كلا التوجهين يعكس ثقافة الاضمحلال في وعيه. هذا هو الواقع الذي نعيش لدى معظم أبناء شعبنا. إن ثقافة الاختلاف هي سنة من سنن الحياة ولولاها لما كانت حياة فانية تعتبر طريقا حقيقيا إلى دار القرار. وتغاير الأفكار من شخص لأخيه ومن حزب لآخر يجعل الحياة ومجرياتها أبعد عن الروتينية القاتلة. فالعلم فيه اختلاف وما اختلف العلماء، والفكر فيه اختلاف وما اختلف المفكرون، وأصحاب الهمم أيضا يختلفون وما اختلفت ضمائرهم بل وسادت حياتهم الرقي والازدهار في شتى دروب الحياة. فلو تبصرنا في واقع المجتمعات أكثر وبالأخص واقعنا أكثر فأكثر لوجدنا التغاير موجود في كل مكان والعبرة كانت التعدد في كل مجال وعنوان، وسيادة المقبول أزليا على مدى الأزمان. إن كل من فكر بعلم و روية يرى أن الاختلاف في بلادنا تحول إلى خلاف قاتم، وتغاير قاتل، وعليه يصبح من يحبون شرب الماء من ذاك الحزب يتمنى أن لا يشربه الجانب الآخر وكأنهم يعيشون في خلد الخالدين بسبب تعصب مؤيدي كل حزب لأفكار حزبه غير متقبل ما يصدر عن الطرف الآخر ظنا منهم أن الحياة ملكهم الذي يشغلهم وقد نسوا أن الحياة تملكهم قبل أن يملكوها بأفكارهم رامين بالاعتبار حسن استغلالها بناء على أفكارهم واحترام الاختلاف والتغاير في أفكار وأذواق الآخرين. هذا على صعيد معظم نواحي الحياة التي نعيش. أما على صعيد وسائل الإعلام والفضائيات على وجه أخص. فإن الجمهور الذي يؤيد أي حزب ينبغي عليه أن يلهث خلف حزبه سياسيا وذلك حقه في الالتفاف والمناصرة حول فكر معين لكن ألا يجعل من فكره السياسي مناهضة لكل من يرى مختلفا عنه في باقي شؤون الحياة. فالملعقة صنعت للطعام ولم تصنع للحفر، والطبيب يعمل لمداواة الناس ولم يعمل لبناء العمران، والهواتف وجدت للتواصل وليس للحسابات البنكية وكل ما ذكر من أمثلة يكمل بعضه في سبيل استمرار الحياة وتعايشا مع طبيعتها وكل شيء وجد بمقدار عند رب الأكوان، ولهذا الأمر لا يمكن جعل مؤيدي أو مناصري أي حزب في عالم الوجود فرض فكرهم ورأيهم على الآخرين غير محترمين غيرهم أو أن يهربوا من واقع الحقيقة فيضطرون إلى نبذ كل ما يتعلق بالحزبية وإعلامهم.
إن البشر كي يحيوا حياة طيبة لا بد من صقل فكرهم في التعايش وتقبل الدنيا كما هي مع الاحتفاظ في الفكر المنتمين إليه. لكل إنسان حق الانتماء لحزب يتماشى مع فكره ولكل حزب حق إنشاء فضائيات لتوصيل رسالتها التي تسعى إليها سياسيا وإن كان ربطها بنواحي الحياة الأخرى فيكون في حدود المعقول والمصلحة العامة، لكن لا ضرر ولا ضرار ولا خروجا من واقع الحياة أو الفرار. فضلا عن عدم وضع جمهورها في إطار فكري متعصب ومتشدد يرى أن النجوم إن لم تظهر بالنهار فهي ليست نجوم حقيقية، فلا بد أن تظهر لأن لها نورا كي تتماشى النظرية العجيبة مع رأيهم "المنير". وكالذين يرون أن الديك لا بد أن يطير لأن اسمه طائر، أو كمن يعتبرون أن القطة تشبه الإنسان تماما في صفة شرب الحليب بدل أن تشترك معه في هذه الصفة. وهذا هو دور الإعلام الحزبي الذي يجب أن يستقطب جمهوره إلى فكره كي يحافظوا على انتمائه لكن لابد أن يكون بعيدا عن جعل الفكر الذي تنادي به القناة المسئولة هو الأول والوحيد والذي عن غيره لا يمكن احد أن يحيد. ألم يقل الله في كتابه العزيز: "فمن شاء أن يؤمن ومن شاء أن يكفر إنا أعتدنا للظالمين نار أحاط بهم سرادقها" إلى آخر الآية الكريمة. فبها وضح الله تعالى الخيارات المتعددة للبشر في اختيار ما يهمهم و يروق لهم في الحياة وبين نتيجة من يحيد عن منهجه الذي يدعو ويهدي إليه في سبيل استمرار الحياة على الأرض لكن لم يفرض منهجه على كل مخلوق على وجه الأرض مع دعوته لاحترام كل ديانة وكل فكر وكل منهج حتى لا يَكره أحد يختلف عن منهجه دعوة الإيمان أو يُكره عليها.
 من هنا نستطيع أن نحقق معنى الخلافة على وجه الأرض في جعل السلطة الرابعة في حياتنا ألا وهي الإعلام، الخيار المتاح أمام الخيارات المتعددة في عالم الإعلام بدعوة الجمهور المؤيد لاختيار ما يروق له مع احترام غير المؤيدين والتعاون معهم في نقاط التشابه والتميز في سبيل الوحدة العالمية المناهضة للعلمانية ، بعيدا عن قتل الفكر المغاير وإحباط المناصرين و تهميش المؤيدين و في ظل احترام كل إنسان بما يسعى إليه في هذه الحياة كي تدوم الحياة خيرا إلى ما بعد الحياة.

ارسال التعليق

Top